في خضم تركيز دولي على سبل إيجاد لقاح للفيروس التاجي، وفي خضم نقاش عالمي حول طبيعة الفيروس والطرق الممكنة للحد من انتشاره، تحولت بوصلة العالم فجأةً نحو منطقة محددة من الكرة الأرضية مركزة بذلك على حدث اهتزت على إثره منطقة الشرق الأوسط ووصلت تداعياته إلى ما وراء البحر الأبيض المتوسط.
في الرابع من غشت من سنة 2020، تحولت أنظار العالم إلى العاصمة بيروت بعد تداول أخبار تدعي حدوث انفجار في مرفأ المدينة والمرتبط بشحنة محجوزة من المواد المتفجرة. في الواقع، إن انفجار بيروت ليس بالحدث الجديد رغم الأثر الذي خلفه في نفوس اللبنانيين، بل هو واقعة أضحت حاضرة في الواقع المعيش منذ فترة الحرب الأهلية. فغياب الأمن، انتشار الفساد، تأجج الاحتقانات واستمرار الصراعات الداخلية، جعل من الانفجار نقطة أفاضت الكأس وأعادت الملف اللبناني إلى الواجهة من جديد.
إن مقاربة الملف اللبناني لا يمكن أن تتم في منأى عن موضوع جوهري وحساس يشاركه فيه العديد من البلدان الشرق الأوسطية. الطائفية، كظاهرة تداخل فيها السياسي بالاجتماعي والاقتصادي، كانت النقطة المحورية التي أثيرت مباشرةً بعد حدوث الانفجار بحيث ألصقت بها جميع التهم وأضحت شماعة لغالبية سياسي منطقة الشرق الأوسط ومفسراً لضعف المؤسسات الاقتصادية والسياسية والبنى الاجتماعية.
تزامنت هذه الحادثة مع سياق إقليمي مضطرب تمثل في تزايد حالة الاحتقان الداخلية بعد عجز الحكومات على التصدي للتداعيات الاقتصادية والاجتماعية لأزمة كورونا. ففي لبنان، اندلعت مظاهرات شعبية منذ سنة 2019 تطالب بإصلاحات بنيوية وبحلول عاجلة لإخراج البلد من أزمته. ومع تأزم الوضع صحياً، أصبحت بيروت في حاجة ملحة إلى خارطة طريق تنقذها من جمودها الاقتصادي والسياسي بعيداً عن الحل الطائفي المتداول .أما في العراق، لا يختلف الوضع كثيراً عن جاره لبنان. فقد عمقت أزمة كورونا جراح بغداد وأثقلت كاهله. فبالموازاة مع المظاهرات التي انطلقت في أواخر سنة 2019 والداعية بدورها الحكومة إلى إيجاد حل للوضعية الاقتصادية والاجتماعية الهشة التي تمر منها البلاد بعيداً عن الحل الطائفي، تفاقم الوضع بتدخل خارجي قديم جديد تبعه عجز شبه كلي أمام الفيروس التاجي .
تعد قضية الطائفية موضوعاً إشكالياً يشغل الحيز الأكبر من اهتمامات أكاديميي وسياسيي المنطقة لتجذراتها التاريخية وآثارها الراهنة. فمعالجة هذه الإشكالية سيساهم بشكل كبير في تحقيق الاستقرار الغائب، أو على الأقل، في التخفيف من حدة الصراعات والصدامات الطائفية السياسية والعسكرية.
تدفعنا هذه البنية المركبة لإشكالية الطائفية إلى مقاربة الموضوع القديم الجديد بهدف تحديد العوامل المسببة لزيادة الاحتقان الطائفي وإيجاد الحلول الممكنة لهذه الظاهرة. وعليه، سنسعى إلى معرفة أثر كل من ضعف السياسة التعددية ومأسسة الطائفية واستعمالها كورقة رابحة في السياسات الخارجية، في تكريس الطائفية وإضعاف وإنهاك بنية الدولة. وبهدف وضع إشكاليتنا داخل قالب واقعي، ستعالج ورقتنا كل من الحالة اللبنانية والعراقية كنموذجين للدراسة.
في الواقع، عولجت المسألة الطائفية في الشرق الأوسط بناء على "نهج المأسسة" أو كما نسميه (مأسسة الطائفية/institutionnalisation du sectarisme) بحيث تم تقنينها لجعلها بذلك مكوناً وعنصراً مدمجاً داخل بنى المجتمعين العراقي واللبناني. بيد أن نهج مأسسة الطائفية أبان عن محدوديته لعدم مقدرته على إخماد نيران الصراع الطائفي والحد من التصادمات الخطابية الطائفية بين ممثلي القيادات. فهو لم ينتج نخباً قادرةً على تجاوز الحزازيات المصغرة ولم يمكن من بناء دولة قائمة ذات سيادة، بل دفع الشعوب إلى الاصطفاف طائفياً (سنة، شيعة)، بدل الالتفاف حول مفهوم المواطنة الجامعة.
عدنان هريوى | طالب بماستر العلاقات الدولية بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية - المغرب.