ثمة قيمة عملية للبحث في الآثار المستقبلية المحتملة لأزمة تفشي فيروس كورونا، هذه الأزمة التي بدأت في فترة تشهد فيها بنية العلاقات الدولية تحولات مهمة، ومنافسة استراتيجية كبيرة بين القوى العظمى، من شأنها إدخال مفاهيم أو نظريات جديدة على مستوى التحليل وإبراز مجموعة من الفواعل والظواهر السياسية الجديدة على مستوى الممارسة.
بالإضافة إلى ذلك، تضع هذه الجائحة الدول العربية والنظام الإقليمي برمته أمام هزات أمنية وسياسية واقتصادية متعاظمة، فأغلب دول المنطقة تعاني انقسامات سياسية وصراعات عسكرية، وفي هذا السياق، يأتي فيروس كورونا ليزيد من معاناة الدول العربية ويرفع من الكلفة الاقتصادية في منطقة تشهد اضطرابات جيوسياسية مستمرة، وتعرف بهشاشة أنظمة الأمان الاقتصادي والاجتماعي فيها.
وهو ما سيكون له تأثير على البنية الهيكلية للنظام الإقليمي العربي، حيث سيعرف هذا الأخير العديد من المتغيرات، نتيجة تزايد الضغوطات المالية والاقتصادية والاجتماعية والجيواستراتيجية داخل المنطقة.
ومن الملاحظ أن نظام توازن القوى في المنطقة العربية تعرض للتهديد المستمر، وهو ما جعله لا يتصف بالاستقرار وإنما بالتحول والتغير، وذلك بفضل التوازنات التي تفرضها التفاعلات الدولية والإقليمية ، بالنظر للأهمية الجيوسياسية للمنطقة.
يبدو واضحا مدى التأثير الذي خلفه فيروس كورونا على مختلف نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فدول بأكملها شلت حركتها وأغلقت حدودها واقتصادات عالمية تراجعت؛ ومما لا شك فيه أن تأثير هذا الوباء على المنطقة العربية سيكون له بعدا خاصا بالنظر لما تمر به هذه الرقعة من العالم من حالات صراع طائفية ومذهبية وانتشار مخاطر التطرف والإرهاب، علاوة على تزايد التنافس السياسي والعسكري بين القوى الإقليمية الكبرى.
وعليه، ساهمت كل هذه العوامل وغيرها بأن تدفعني لأخذ غمار البحث في هذا الموضوع، لما سببته وستسببه أزمة كورونا من تداعيات مختلفة على طبيعة الوضع الجيواستراتيجي، واحتمالية تغييرها لبعض موازين القوى في المنطقة.
وبالتالي، سأحاول من خلال هذه الورقة ما مدى تأثير الأزمة الصحية على مستقبل المنطقة العربية في خريطة العلاقات الدولية؟ دراسة الخيارات الممكنة في التعامل مع هذه الأزمة وردود أفعال الحكومات، ومحاولة فهم وتحليل السياق الإقليمي والسيناريوهات المحتملة على المديين القريب والبعيد على مستقبل المنطقة العربية، ما سيشكل منطلقا مهما في تأطير وبلورة أسس علمية للتعاون بين دول المنطقة لمواجهة مختلف أبعاد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والجيواستراتيجية.
فاطمة لمحرحر | باحثة في الدراسات السياسية والعلاقات الدولية، كلية الحقوق فاس- المغرب.