في الوقت الذي تنبهت فيه الكثير من الدول إلى الفرص التي يختزنها البحث العلمي على مستوى تحقيق الرّفاه والتنمية المستدامة، حيث أولت عناية خاصة لهذا المجال الحيوي الذي يعكس المراهنة على الاستثمار في الإنسان باعتباره أساسا، ومحورا لكل تنمية استراتيجية، ظلّت الكثير من البلدان العربية متخلفة في هذا المجال، ما ساهم في توسيع الفجوة التي تفصلها عن الدول المتقدمة في هذا الخصوص.
أعادت جائحة "كورونا" التي اجتاحت جلّ دول العالم، موضوع البحث العلمي وحيويته إلى واجهة النقاش العمومي وطنيا ودوليا، بعدما تبين أنه يمثل أهم سلاح لمواجهة مخاطر العصر في تجلياتها المختلفة، والكفيل بالتعاطي مع المشكلات والكوارث والأزمات التقليدية والمستجدة التي تواجه الإنسان وحضارته، بقدر من الجاهزية والكفاءة.
عادة ما تمثّل الأزمات محطات لاستخلاص الدروس، وإعادة النظر في السياسات والأولويات والاستفادة من الأخطاء، وفي هذه المحطّة القاسية التي يمرّ منها العالم، يطرح السؤال بحدّة، حول ما إذا كانت الدول التي طالما همشت آليات وبنيات البحث العلمي ومخرجاته، ستراجع أوراقها وحساباتها من جديد في هذا الخصوص؟ أم ستستمر على نهجها ما يكلفها هدر الكثير من الفرص والإمكانيات؟
وفي السياق المغربي، ظلّ البحث العلمي، كما هو الشأن بالنسبة لمنظومة التعليم، يعاني من إكراهات جمّة، تعكسها التقارير الصادرة عن المجلس الأعلى للتعليم، وعدد من الدراسات العلمية المنجزة في هذا الخصوص، بفعل ضعف الإمكانيات المخصّصة لهذين القطاعين، وعدم انفتاح صانعي القرار بشكل كاف على مخرجاتهما، وضعف مساهمة القطاع الخاص في تطويرهما، بصورة تواكب حاجات المجتمع وتحديات العصر.
أظهرت جائحة "كوفيد 19" أن المغرب يحتضن أطرا علمية على مستوى عال من الكفاءة والخبرة في مختلف المجالات، أبانت من جانبها عن حسّ كبير من المسؤولية والمواطنة، بانخراطها في مواكبة تطورات الجائحة من بوابة استثمار البحث العلمي، وتوظيف الإمكانيات المتاحة لمواجهة الوباء والأزمات الفرعية التي تمخضت عنه، والمساهمة بالتحكم في مساراته، في لحظة مفصلية وضاغطة، أربكت الكثير من صانعي القرار حتى في البلدان المتقدمة..
تشير الكثير من الدراسات والتقارير والمؤشرات إلى عدد من المشاكل والتحديات التي تواجه البحث العلمي بالمغرب، سواء فيما يتعلق منها بضعف التمويل العمومي والذي يقل عن 01 بالمائة من الناتج الإجمالي الخام، ونقص البنيات التحتية اللازمة لإرساء منظومة بحثية في مستوى التحديات الراهنة، وضعف الإطار القانوني اللازم لتطورها، إضافة إلى المشاكل التي تعاني منها المؤسسات الجامعية من حيث بنياتها وبرامجها ومناهجها ومخرجاتها، وعدم تحفيز الباحثين وتشجيعهم على البذل والاجتهاد، ما يدفع الكثير منهم إلى الهجرة بحثا عن فضاءات أرحب للعطاء والبحث، كما أن تمثّلات المواطن للبحث العلمي، ما زالت تطرح الكثير من الأسئلة والإشكالات..
د.إدريس لكريني | أستاذ التعليم العالي، جامعة القاضي عياض، المغرب.