"رب ضارة نافعة". قد ينطبق هذا القول على ما أفرزه انتشار الجائحة التاجية. وبالرغم من كل ما سببته من أضرار، فإن لها بعض "المحاسن". لقد أعطت هذه الجائحة دفعة استثنائية للتفاعل والتعبير الحر في الفضاء الافتراضي والشبكات الاجتماعية في منطقتنا العربية. ما نتج عنه طوفان من المقترحات والوصفات الاقتصادية لمواجهه الازمة الجارفة وتداعياتها.
ومن غير المُستغرَب أن تحظى بعض الوصفات الاقتصادية بشعبية ورواج بالرغم من سلبياتها المتعددة. ويمكن إجمال هذه الوصفات الأكثر شعبية في توجهين اثنين: تلك التي تدعو، من جهة، إلى تسهيل الدول العربية لعمليات الاقتراض الداخلي عبر خفض معدلات الفائدة البنكية وفتح مضخات صك النقد. أما الثانية، فتدافع عن رفع منسوب الاستثمارات العمومية عبر العدول عن فكرة الحزم الموازناتي والتساهل مع العجز المالي وما يستتبعه من إطلاق العنان للمديونية العمومية. وبالرغم من النوايا الحسنة التي تحملهما هاتين السياسيتين النقدية والمالية الراميتين إلى "تحفيز الطلب" لتنشيط الدورة الاقتصادية المصابة بالخمول والوهن في معظم البلدان العربية، إلا أن الكثير من النوايا الطيبة يمكن أن تُفضي إلى معضلات حقيقية.
إن السواد الأعظم من الفرقاء الاقتصاديين لا يختلفون حول أهمية بل حيوية التحفيز الاقتصادي، خاصة في هذه الفترة الاستثنائية لتلافي الخسائر الجمعية، بيد أن التباينَ يَبرزُ جلياً في رفض إعادة سَنِّ سياسة "تحفيز الطلب" الاقتصادية في المديين المتوسط والبعيد، بالنظر إلى آثارها السلبية المتعددة واقتصارها على مهادنة ومداهنة الوضع القائم (status quo) منذ عقود. آثار عرفت أوجها بعد فشل عدد كبير من الدول العربية في تمويل نفقاتها وسداد ديونها واستجدائها صاغِرةً مساعدات صندوق النقد الدولي في تسعينيات القرن المنصرم.
إن من يعتقد أن رفع منسوبِ الاستثمارات والنفقات العمومية كفيل، بكل بساطة، بتسريع عجلة النمو، مَثَلُهُ كَمَثَلِ من يُعطي برميل وقود لسائق، لا يفقه أبجديات السياقة ممسكا بمقود سيارة منهكة المحرك ومتهالكة الهيكل، متوقعا منه أن يحركها بأقصى سرعة. يجد هذه التشبيه تمظهرا جليا له في مجتمعاتنا العربية. فالعطالة والخلل الذي أصاب الاقتصاد العربي تجد أصلها في ضعف الفاعلين واهتراء الهياكل المؤسساتية المؤطرة للتفاعلات الاقتصادية والسياسية داخل المجتمع. فلم تكن لهذه البيئة الحاضنة إلا أن تفرز وبشكل ممنهج ومستدام ظاهرة التكلس والجمود التنموي على الرغم من ترليونات الدولارات التي ضُخَّت سُدىً منذ عقود في النسيج الاقتصادي.
د. نوح الهرموزي | مدير المركز العربي للأبحاث، أستاذ الاقتصاد بجامعة ابن طفيل، المغرب.