logo

logo

حلت الجائحة… اشنقوا الحرية

image

أكلما حلت أزمة بالبشرية نادت أصوات بشنق الحرية ؟

مثال شعبي مغربي قديم يقول " سقطت الصومعة… إذن، اشنقوا الحلاق" لا أحد يعرف أسباب نزول هذا المثل الشعبي،  لكن الظاهر أن الحلاق نقطة التقاء لجميع رجال الحي، يعرض خدمته على الجميع، لا يستثني أحدا،  ثم انه يوفر الطلبات كلها، محترما الأذواق والأعمار والرتب وما إلى ذلك. فهو كالسوق يجسد تنوع العرض استجابة لتنوع الطلب، كما يجسد وظيفة أخرى كانت تنفرد بها السوق ألا وهي وظيفة تبادل الأخبار والمعلومات، ثم انه بحكم طبيعة الانفراج التي تسود الأجواء عنده، كان ولا يزال مصرحا لحرية التعبير. فلا غرابة إذن أن يكون في وقت من الأوقات مصدرا للتخابر بشأن ما يحاك ويروج فيدبر من أمر المشتغلين في الظلام. ولعل صفة حرية التعبير هذه التي ظل الحلاق يجسدها حول موضوعات الساعة الساخنة دون رقيب ظاهر هي التي شكلت خطورته وهي التي جرت عليه ويلات الاشتباه التلقائي في كل ما يحدث من دسائس وغيرها. فكانت رأسه لأجل ذلك معرضة للشنق عند كل مصيبة تصيب الحي أو القرية أو المدينة أو البلد…

كذلك الأمر بالنسبة للحرية، وهي توضع اليوم مرة أخرى ، في مرمى دعاة الرجوع إلى الدولة الرزاقة الطاعنة الكاسية الحامية… والزج بالحرية ومشتقاتها إلى حبل المشنقة…

يقول ادكارموران E.MORIN   في هذا الصدد : " ينبئنا فيروس كرونا المستجد بأنه ينبغي على البشرية جمعاء ، ان تعيد البحث  عن طريقة جديدة من المحتمل أن يتخلى فيها الإنسان عن النيو ليبرالية  لغاية التوصل  إلى اتفاق سياسي اجتماعي جديد، يتم خلاله الحفاظ على الخدمات العمومية ، ويعالج آثار العولمة ، ويعيد توطين الأنشطة والصناعات الحيوية بالنسبة لكل أمة من الأمم…" وكأنها دعوة  للخروج من الانفتاح المحرر للطاقات إلى الانغلاق المفضي إلى التحكم في النصائر والضمائر 

وهذا  ألان باديو  A.BADIEU  يقول : " علينا أن نستفيد من هذه الفترة الوبائية، ومن هذا الحجر الضروري من أجل العمل على إيجاد شخصيات جديدة، ومشروع سياسي جديد يفضيان إلى تقدم عابر للأوطان تتجسد فيهما مرحلة ثابتة للشيوعية بعد المرحلة الأولى  اللامعة لابتكارها ، ومرحلة  تجربتها الدولية المهمة جدا ، وان كانت قد انتهت بالهزيمة في نهاية المطاف…" وهو يوصي بأن يعتمد هذا المشروع على فرض قيود على المستثمرين وعلى الشعب… من أجل انقاذ ما يمكن إنقاذه ولو بالعودة إلى دولة الرفاه  تفاديا لكارثة استراتيجية" 

إنها ادن حمى الأخذ بالثأر من الحرية ومن اقتصاد السوق وما يجري مجراهما  من ديمقراطية ومنافسة وحقوق الإنسان، وكأن الأمر مجرد لعبة شطرنج يتبادل فيها الربح والخسارة بين لاعبين، إلا أن الأمر ليس لعبة ، بل إن العالم الجديد في طور التشكل واللاعبون لم يعلنوا بعد عن أنفسهم ، والسبب هو أن الجائحة لم تنته بعد والحصيلة لم تتضح بعد والمنتصر لم يعلن بعد، لذلك فكل الأماني والتأويلات الصادرة عن توحيد سابق أو توجه مسبق ، هي أماني فاقدة للأسس .

ومع ذلك فالإشكاليات التي تناولناها تظل قائمة ومعها جملة من التساؤلات الفلسفية والقيمية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

فالجائحة كانت على الدوام محطة امتحان وتقييم وإعادة نظر وتصحيح، كما أنها ، وهذا هو الأهم كانت مرحلة لبناء " معنى جديد" للكائن ولمحيطه ولطبيعة مستجدة للعلاقة بينهما كما أنها كانت أيضا وستظل محطة لإعادة ترتيب الأولويات. 

وسواء أردنا ذلك أم لم نرد ، فان من يعطي المعنى "هو الفرد الواعي"  الذي يصعب على مهندسي الثقافات أن يخترقوا قناعاته ويستحيل على الإيديولوجيات أن تضعه في أقفاصها لان الشخص الواعي شخص حر بالضرورة . ولما كان الوعي مبتدءا وخبرا، ينطلق من فعل الواقع ويخلص إلى إصلاحه فان له ملامح داله على ما يمكن أن يؤول إليه هذا الإصلاح.

 

محمد تملدو | مستشار أول بالمركز العربي للأبحاث.