من منا لا يحب السفر واكتشاف العالم بل هناك الملايين ممن يعشقون السفر والتعرف على الثقافات الجديدة، مع ارتفاع وثيرة السياحة أصبح هذا القطاع ركنا أساسيا في اقتصاديات العديد من الدول، وأصبحت البلدان تتسابق فيما بينها لجذب أكبر عدد من السياح إليها، وفي العام الماضي سجل القطاع السياحي العالمي نسبة 8,8 تريليون دولار وهو ما يعادل 10% من الاقتصاد العالمي ليسجل نموا وصل إلى 3,9%، وهو ما جعله يحتل المرتبة الثانية كأسرع القطاعات نموا؛ كما تعتبر السياحة من أهم القطاعات التي تساهم في توفير الوظائف حيث وصل إجمالي الوظائف التي توفرها حوالي 319 وظيفة حول العالم أي بنسبة %10 من الوظائف.
غير أنه ومنذ بداية سنة 2020 والأحداث العالمية تتوالى بوثيرة غير مسبوقة وتضغط على الاقتصاد، آخرها فيروس كورونا المستجد الذي أصاب بنحو أو بأخر بضربة قاضية الاقتصاد العالمي، هذه الاصابة كانت لها تداعيات على مختلف القطاعات؛ فأسواق الأسهم العالمية فقدت أكثر من 6 تريليونات دولار منذ يناير والنشاط الصناعي العالمي انكمش بأكبر وثيرة له منذ عشر سنوات، هذا وتراجعت أسعار النفط بقيمة –%24 مسجلة أدنى مستوى لها منذ أكثر من عام.
القطاع السياحي قراءات ومراجعات:
صحيح أن الأوبئة تكبد الاقتصاد العالمي خسائر باهضة لكن الملفت أن الجزء الأكبر من هذه الخسائر لا يأتي من هذه الأمراض ولكن من الخوف الكبير الذي تحدثه، أكبر مثال على ذلك ما يحدث في قطاع السياحة والسفر، هذا القطاع الذي جاء في مقدمة المتأثرين بفيروس كورونا بعد أن تسبب في تقييد حركة السفر في عدة بلدان، وإلغاء العديد من الأشخاص لخطط السفر الخاصة بهم، وما فاقم من سوء الأوضاع هو تزامن ظهور الفيروس مع احتفالات السنة القمرية في الصين، حيث كان من المفترض قيام أكثر من مليون صيني بالسفر من أجل الاحتفالات، الصين التي خرج منها أكثر من 150 مليون سائح سنة 2018 وأنفقوا حوالي 277 مليار دولار، بعد أن كانت الصين رابع وجهة سياحية بعد كل من فرنسا واسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية، إذ استقبلت في سنة 2018 أكثر من 141 مليون سائح.
من خلال هذه الأرقام من المفترض أن يتراجع الاقتصاد الصيني إذا استمرت أرقام السياحة بالتراجع ولا سيما أنها مسؤولة عن 11% من الناتج العام المحلي ويعمل بها أكثر من 80 مليون شخص بشكل مباشر وغير مباشر، التأثير قد لا يقتصر فقط على الصين، فالاقتصاد العالمي يعتمد بشكل كبير على إيرادات السياحة التي وصلت إلى حوالي 1,7 تريليون دولار، وتوفر حوالي 319 مليون وظيفة حول العالم.
هذا، وتطبق ايطاليا حجرا صحيا شاملا على المنطقة الشمالية في محاولة لاحتواء فيروس كورونا، مما جعل حركة السياحة من إيطاليا وإليها تكون أول المتأثرين بفيروس كورونا في الدولة الأوروبية الشاطئية الشهر الماضي، إذ دخلت البلاد التي تعد من أهم الأسواق المستقبلة والمصدرة للسياحة في انتكاسة اقتصادية، نتيجة بدأ جيرانها منذ منتصف شهر فبراير في تشديد إجراءاتهم الاحترازية على الحدود وفرضت رقابة صارمة على حركة السفر من ايطاليا وإليها.
ومقارنة بالسنة الماضية، كانت إيطاليا من أكثر الدول التي يعرف قطاعها السياحي نموا بنسبة 7% بحسب منظمة السياحة العالمية، لكن هذا المستجد الأخير سيفاقم أزمتها وأزمة دول جوارها.
وعليه، يمكننا القول بأن التأثير السلبي لجائحة كورونا لن يكون فقط على الحياة الصحية في إيطاليا، بل أثر في السياحة العالمية التي تحتل فيها إيطاليا جزء كبيرا، فهي تعد أهم الوجهات السياحية في العالم.
إلى جانب إيطاليا، فرنسا هي بدورها لم يسلم قطاعها السياحي من التأثيرات السلبية ل كوفيد19، حيث تأثرت السياحة في فرنسا بشكل ملحوظ بسبب تفشي هذا الفيروس في عدة بلدان لاسيما في الصين، إذ تراجع عدد السياح الوافدين، وهو ما جعل قصور فرنسا المعروفة عالميا تعاني مثل، فيرساي وشانيته فبدت أروقتها فارغة وتكبدت خسائر كبيرة بسبب الإجراءات الاحتوائية، كما تسجل وكالات الأسفار أرقاما متدنية بلغت مستوى قياسي وأصبحت برامجها فارغة؛ مما تسبب في معاناة وأزمة خانقة، وبالتالي فهي مهددة بالإفلاس.
فاطمة لمحرحر | باحثة في الدراسات السياسية والعلاقات الدولية.