لعل مناولة الأطروحات التي قاربت الربيع العربي، يدفعنا إلى استفهام سؤالين استشرافيين عريضين وهما : ما هي ملامح الديمقراطية القادمة في العالم العربي ؟ وهو سؤال يحيل مباشرة إلى ما بعد الربيع العربي، هذا المابعد الذي بدأت استشكالاته الأولى تظهر في كل قطر بطريقته المخصوصة.. إلا أن سؤالا ثانيا يمكن إضافته وهو إلى أي حد ستتحقق الديمقراطية المشتهاة في العالم العربي ؟ ما هي فرامِلُها ومعوقاتها الذاتية والموضوعية ؟ إن هذا السؤال لا يمكن عزله عن السياق العالمي وابستيمية العصر، حيث بيت القصيد حقا، لأن مناولة الديمقراطية في العالم العربي، عادة ما يتم انطلاقا من سؤال ضمني ومضمر، وهو أن العطب يكمن فيها وفي انتمائها الإيديو-جغرافي، سواء في شمال إفريقيا أو الشرق الأوسط.. بل وكل أنحاء المعمور غير الغربي وكأن الديمقراطية الغربية هي النموذج غير القابل للنقد أو لإعادة طرح أسئلة مغايرة. في هذا المنحى، نتساءل ألا يمكن أن تكون الدمقراطية الغربية تحبل باختلالات بنيوية تنعكس على العالم العربي ؟ وجعله مرتبكا إلى حد أنه يبدو للناظر الأول بأن هذا العالم (العربي) ليس بمقدوره أن ينتج درسا في الديمقراطية، وإذا أنتجه فلاشك أنه سيكون مبتورا ومعطوبا.. أمام هذه الأسئلة سيتوارى واقع الديمقراطية الغربية واختلالاتها تجاه العالم العـربي، بل وأكثر من ذلك ألا يمكن التفكير في براديغمات أخرى قد تصبح فيها الديمقراطية درسا متجاوزا وأن البشرية في حاجة إلى براديغم جديد في العقود القادمة القريبة في أفق قد لا يتجـاوز منتصف هذا القرن كما يذهب إلى ذلك بعض الباحثين.