[caption id="attachment_2489" align="aligncenter" width="576"] تدريب سابق لفائدة المراكز البحثية من تنظيم المركز العلمي العربي[/caption]
عرفت مراكز الأبحاث في السنوات الأخيرة اهتماما كبيرا نظرا لما تساهم فيه من إنتاج للمعرفة الخادمة للفرد، المجتمع والدولة. وقد أصبحت هذه المؤسسات العلمية من أبرز الفاعلين في رسم التوجهات السياسية والاجتماعية والإقتصادية، وكذلك أحد المساهمين في بلورة روئ ومقترحات علمية لإيجاد حلول ناجعة للمشاكل المجتمعية. وقد أضحى لهذه المراكز دور جد فعال في توجيه السياسات العالمية وأداة لإنجاح مجموعة من المشاريع والبرامج الاستراتيجية.
تعتبر هذه المراكز البحثية منظمات غير ربحية تسعى إلى القيام بأبحاث ودراسات في مجالات مختلفة من أجل تعميم وتعزيز ثقافة مؤسسة لمجتمع العلم والمعرفة، وكذلك من أجل المساهمة في بلورة ورسم السياسات العامة للدولة، وكذلك تقديم روئ مستقبلية تهم الفرد وصانع القرار وذلك من خلال الأنشطة العلمية التي تقوم بها كالمؤتمرات والملتقيات العلمية التي تعقدها، والأبحاث والإصدارات الفكرية كالكتب والأوراق البحثية. وتعرفها كذلك مؤسسة راند بأنها منظمات تقوم بإنتاج بحوث مركزة ومكثفة من أجل تقديم حلول ومقترحات للمشاكل بصورة عامة وخاصة في المجالات الاجتماعية، السياسية والإستراتيجية.
و من الأدوار التي تقوم بها هذه المؤسسات التي تعتبر مكونا رئيسيا للمشهد الثقافي والعلمي لأي مجتمع هي تقديم استشارات لصانع القرار، حول الأولويات المجتمعية والمستجدات الطارئة وذلك من خلال دراسات علمية نظرية وميدانية. وكذلك إشاعة روح البحث العلمي وتعميم الثقافة والمعرفة وأيضا متابعة أحدث الدراسات وترجمة منشورات ومؤلفات تصدر عن مؤسسات علمية في دول أخرى. وكذلك من الأدوار التي تضطلع إليها مراكز الأبحاث للقيام بها هي البحث عن أولويات التنمية في المجتمع وتقديم اقتراحات وسبل لتجاوز إشكالات وعوائق التنمية.
و قد لعبت مراكز الأبحاث الغربية دورا كبيرا في صناعة القرار وكذلك في بلورة سياسات اقتصادية واجتماعية، وخارجية للعديد من الدول، ومن بينها الولايات المتحدة الأمريكية التي تعرف أكبر عدد لمراكز الأبحاث بعدد يقدر حول 1815 مركز أبحاث حصل منها معهد بروكنغز على الترتيب الأول في المراكز الأكثر تأثيرا في الولايات المتحدة والعالم، ونجد أيضا معهد "كاتو" الذي تنص رسالته التحررية على دعم «الحكومة المحدودة، والأسواق الحرة، والحرية الفردية، والسلام». وقد أثرت هذه المراكز على العديد من سياسات الدول الغربية وعلى توجهاتها في قطاعات مختلفة مثل التعليم والرعاية الصحية والتغيير المناخي.
و عرف أيضا العالم العربي في السنوات الأخيرة نشوء العديد من المراكز البحثية التي تهتم بدراسة الظواهر الاجتماعية والأوضاع السياسية والاقتصادية للبلدان العربية، وأيضا بدراسة الإرث الفكري والفلسفي لهذه المنطقة بالمسألة والنقد. لكن بمجرد إلقاء نظرة موضوعية حول وضعية المراكز البحثية حديثة النشأة في العالم العربي يتضح أنها تعرف العديد من الإشكالات والتحديات التي تتجلى في ضعف تفاعلها مع السياق السياسي والاجتماعي وكذلك في ضعف تأثيرها على مراكز صنع القرار، وأيضا لافتقارها لمجموعة من الآليات العلمية والمعرفية ولمصادر التمويل. فكل هذه الإشكالات كفيلة بأن تكون عائقا بين هذه المراكز البحثية وبين أهدافها المتوخاة.
و من أجل المساهمة في تقديم إجابة واقعية وعملية على الإشكالات التي تعرفها المراكز البحثية حديثة النشأة سينظم المركز العلمي العربي للأبحاث والدراسات برنامجا تدريبيا جديدا يسعى إلى تمكين هذه المراكز حديثة النشأة من مجموعة من المهارات والآليات لتستطيع أن تحقق تفاعلا إيجابيا مع جمهورها عن طريق تواصل واضح حول أنشطتها ومنشوراتها، ولتتمكن كذلك من تطوير الشراكات والتشبيك مع الشركاء المحتملين وأيضا طرائق الحصول على التمويلات لتستطيع في الأخير نشر أفكار التغيير والإصلاح. ويعتبر هذا البرنامج التدريبي الذي سينظم بمدينة الرباط مابين الرابع والسادس من ديسمبر 2018 المقبل محطة لتبادل أفضل الممارسات واستشراف سبل التعاون المستقبلية بين المراكز البحثية العربية والغربية كذلك. ولتتمكن مراكز الأبحاث حديثة النشأة من التموقع بشكل جيد في الخريطة العلمية لتساهم من موقعها في إنتاج معرفة داعمة للحرية والازدهار.