في سياق مساهمته في دعم قيم الحرية وإطلاع القارئ العربي للنصوص المؤسسة لها، أصدر المركز العلمي العربي للأبحاث والدراسات الانسانية كتاب الحرية، وهو عبارة عن نصوص منتقاة من مراجع إنسانية مختلفة. ويقارب الكتاب الصادر عن المركز بالتعاون مع دار الأمان بالرباط ومنشورات ضفاف ومنشورات أهم المفاهيم المتداولة حول "الحرية" والتي تحتمل معاني وتعريفات لا حصر لها حسب السياقات السياسية، الإجتماعية، النفسية، الإقتصادية، الدينية إلى غيرها من السياقات المتعددة.
يتطرق الكتاب لمفهوم الحرية حسب المنطلقات الفكرية والحضارية للنصوص التي تم اختيارها لتشكل طيات هذا المنشور، ينقسم الكتاب إلى خمسة أجزاء، تعريفات وتحديدات، الحرية في الفكر الإسلامي والعربي، الحرية في الفكر الغربي، الحرية في الفكر السياسي الإقتصادي وأخيرا الحرية في إعلانات مواثيق حقوق الإنسان.
في الجزء الذي يهم الحرية في الفكر الإسلامي العربي يتم تناول مفهوم الحرية عن طريق اختيار ثلاث نصوص لكل من علال الفاسي، لطفي السيد، ومشيخة الأزهر. فعلال الفاسي في حديثه عن حق الحرية في الإسلام يربط الحرية بالمسؤولية، و يعتبر أن الحرية لا تعني أن يفعل الإنسان ما يشاء ويترك ما يريد، ولكنها تعني أن يفعل الإنسان ما يعتقد أنه مكلف به وما فيه الخير لصالح البشر أجمعين، كما يعتبر أن المجتمع الفاضل هو الذي يتيح فرصة العمل للجميع ويساعده عليه ويحميه.
بينما يعتبر لطفي السيد في مقالته الحرية طبيعة ملازمة للإنسان وهي معنى الحياة كما أن نيل الحرية لا يمكن أن يتحقق دون أن يتخلص المجتمع من وصمة عبادة الآراء والأفكار من غير تمحيص اعتمادا فقط على مكانة قائلها. كما تنص وثيقة الأزهر على حرية العقيدة المرتبطة بحق المواطنة الكاملة للجميع، وحرية الرأي والتعبير باعتبارها أم الحريات كلها، ثم حرية البحث العلمي الجاد في مختلف العلوم الإنسانية والطبيعية والرياضية وغيرها وأخيرا حرية الإبداع الفني والأدبي.
في الجزء الذي يتناول الحرية في الفكر الغربي يتم تقديم مقالات لجون ستيوارت ميل والعديد من الكتاب والمفكرين الآخرين حول الحرية ومفاهيمها في المجتمعات الغربية وعلاقة الحرية بالسلطة وأثر حرية الفكر على النقاش. كما يحاول فرانسوا جوليان المقارنة بين التصور الغربي للحرية والتصور الصيني.
في الجزء الرابع الذي يتناول الحرية في الفكر السياسي والإقتصادي يقدم الكناب مقالات نصوص لأهم الرواد والمفكرين في هذا المجال كميلتون فريدمان وفريدريك هايك وأخرين، فالعلاقة الجوهرية بين السياسة والإقتصاد لا يمكن فصلها بحيث أنه يمكن الجمع بين فقط بين أنظمة سياسية واقتصادية محددة دون غيرها فلا يمكن مثلا لمجتمع اشتراكي أن يكون في الوقت ذاته ديمقراطيا ضامنا للحرية الفردية.
في الجزء الأخير من الكتاب يتم تقديم أهم إعلانات ومواثيق حقوق الإنسان في العالم كمقتطف من الحريات الواردة في العهد الدولي الخاص والإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، والحرية في الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان و المواطن لسنة 1789 .
كتاب الحرية نصوص مختارة يعتبر بحق محاولة لجمع أهم التصورات والمفاهيم المتعلقة بالحرية في طبق واحد من أجل تزويد القارئ العربي بعصارة الأفكار في هذا المجال لفتح المجال من أجل نقاش عميق ومثمر في ظل المخاض العسير التي تمر منه هذه الرقعة الجغرافية من العالم.