بعد الخوض في نقاش مع مثقفين حول النظام الرأسمالي، وجدت للأسف الكثير من المغالطات التي تدور في أذهانهم عن هذا النظام وعن الليبراليين كمدافعين عن الرأسمالية. لهذا سأحاول من خلال هذا المقال أن أصحح هذه الشائعات المرسخة في عقول معظم المثقفين العرب وليس الذين جالستهم فقط.
المغالطة الاولى تكمن في تعريف النظام الحر في حد ذاته.
إذ يعتقد الكثير من المثقفين العرب بأن النظام الليبرالي له هدف معارض لأهداف المجتمع العربي الاسلامي وهو تحرير الفرد من كل القيود الدينية والثقافية ويختزلون الليبرالية في الحرية الجسدية ويربطونها بما هو جنسي. كان هذا إذن المفهوم المرسخ في عقول معظم المثقفين العرب الذي يجيبون به دائما عندما تسألهم عن النظام الليبرالي. أما إذا أردنا تصحيح هذه المغالطة، سنقول لهم بأن النظام الرأسمالي أو نظام الاقتصاد الحر أو إقتصاد السوق هو نظام إقتصادي تكون فيه الحرية الاقتصادية هي المكون الجوهري، وكلمة إقتصاد حر تعني عدم تدخل الدولة في الأنشطة الاقتصادية وفي شؤون الأفراد عامة، أي ترك السوق يضبط نفسه بنفسه وذلك عن طريق قانون طبيعي هو قانون العرض والطلب. وعليه فالنظام الحر يقوم على الملكية الخاصة لوسائل الانتاج ويشجع إقتصاد المنافسة الحرة وتحرير الأسعار من كل القيود وليس تحرير المرأة من الحجاب كما يعتقدون.
المغالطة الثانية: النظام الرأسمالي ضد الدين الاسلامي
على العكس من ذلك، فالنظام الليبرالي ليس ضد الاسلام. بل يدعو فقط للتحرر من سلطة علماء الدين وآرائهم وتفسيرهم الشاذ للنصوص الدينية التي لها تأثير سلبي على حرية الفرد. لأنه إذا إبتعدنا عن تجار الدين وتفسيرهم البدوي والرجعي للنص الديني، سنقترب آنذاك من الدين الاسلامي النقي الذي يدافع عن الحرية التي لا يعرفها أصحاب العقليات المتعصبة والمتجمدة الذين يسمون أنفسهم علماء.
المغالطة الثالثة: دعاة النظام الرأسمالي تميزهم العنصرية ولا يحبون من يخالفهم الفكر
بعيدا عن الصور النمطية وبعيدا عن الحقائق المشوهة، سنجد أن لليبرالي مميزات بموجبها يتميز عن غيره بأنه ليبرالي، ومن هاته المميزات أنه يحترم في كل الأحوال الرأي المخالف ولا يتعصب لموقف مغاير لفكره، فهو ضد الدوغمائية ولا يعتبر أن من يخالفه الفكر فهو ضده، بل يعتبر أن وجود الاختلاف مع الغير أمر مهم وضروري لوجوده هو ولاستمراره في الدفاع عن الفكرة الليبرالية التي هو مؤمن بها. ولا يفرق بين الناس بسبب لون البشرة أو الجنس أو الدين أو الغنى والفقر، بل يندد بالأفعال التي تقوم بها الجماعات الممارسة للعنصرية الدينية والمذهبية ويأمل أن تحل الدولة المدنية مكان الدولة الثيوقراطية للحد من العنصرية والحروب والمذابح والصراعات الدينية والمذهبية التي يعيشها العالم العربي في هذه الظرفية. هل هذه الميزات ميزات العنصرية إذن؟
المغالطة الرابعة: دعاة الليبرالية والرأسمالية ضد الدولة والتسييس
بخلاف هذه المغالطة يرى الليبرالي بأن وجود الدولة ضروري للفرد وأن للدولة وظائف بدونها لا وجود لحياة الأفراد ولا وجود للحياة الاقتصادية. فدور الدولة الأساسي هو حماية الأمن في الداخل والخارج، وإلزام الجميع باحترام العقود، وحماية الملكية الخاصة من الاعتداءات، والقيام بالمشروعات التي لا يستطيع الأفراد القيام بها. أما بخصوص مسألة التسييس فيكفي فقط عدد الاحزاب السياسية الليبرالية الذي لا يحصى. الليبرالي يرى أن تشكيل أحزاب سياسية وتكوين منظمات ليبرالية هام جدا، لأن ذلك يتيح للفرد المؤمن بالفكر الليبرالي التعبير عن نفسه وعن أفكاره مع أشخاص من نفس الأيديولوجية ونفس الاهتمام مما يسهم في نشر الثقافة الليبرالية وسط الكل.
المغالطة الخامسة: النظام الرأسمالي يزيد الفقير فقرا عكس النظام الاشتراكي
لا وجود لنظام إقتصادي أفضل من النظام الحر في مسألة التخفيف من الفقر. لأن النظام الرأسمالي يقدم حزمة من الحلول للتصدي للفقر لا يملكها لا النظام الاشتراكي ولا غيره. وأتساءل هنا، إذا كان النظام الاشتراكي يقدم الحل للقضاء على الفقر، فلماذا فشلت التجربة الاشتراكية في أوروبا الشرقية؟ ولماذا ازدادت نسبة الفقر في الدول التي تتبنى النظام الاشتراكي إذن؟
المغالطة السادسة: النظام الرأسمالي يشجع الخصخصة وبالتالي التخلي عن الفقير
تمثل الخصخصة نقل الملكية من الدولة إلى شركات خاصة من خلال بيع أسهمها إلى هذه الشركات الخاصة. وهذا التوجه سيكون ناجحا ولصالح الكل، لأنه سيخلق المنافسة. وكما نعرف جيدا من المنطق وبعيدا عن الأيديولوجيات، فإن المنافسة هي المحرك للحياة الاقتصادية والمحققة لمصالح المستهلك الفقير. في سوق تميزها المنافسة سيحصل المستهلك على السلع ذات الجودة العالية مقابل أسعار منخفظة، لأن المنافسة تدفع المنتج للزيادة في درجة الجودة وتخفيظ الثمن. هذا بالاضافة إلى أن إقتصاد السوق الحر التنافسي كفيل بحماية الأفراد من سرقة تعبهم من قبل الفاسدين والمتسلطين من السياسيين.
المغالطة السابعة: النظام الرأسمالي يوفر التعليم للأغنياء فقط
التعليم في معظم الدول الليبرالية هو شبه مجاني يتم دفع رسوم رمزية فقط. أما في البلدان التي فيها التعليم غير مجاني، فتقدم إمكانيات متعددة للفقير. من هذه الإمكانيات الحصول على منح مجانية وهناك أيضا إمكانية الحصول على قروض طويلة المدى لتمويل الدراسة وإسترجاعها بالتقسيط بعد التخرج وبعد التوظيف. وهكذا سيكون الكل قد درس سواء تعلق الأمر بالفقير أم بالغني. وكمثال على ذلك فأنا شخصيا في الوقت الذي تراجعت فيه عن فكرة الدراسة في أمريكا وبريطانيا وغيرت الوجهة بمجيئي إلى ألمانيا لاستكمال دراستي، تشبت أصدقاء لي بالفكرة التي تراجعت عنها أنا، ومنهم من ذهب إلى أمريكا ومنهم من إختار بريطانيا وفي الأخير كلهم حصلوا على منح هناك ودرسوا وتخرجوا مع العلم أنهم من عائلات فقيرة. لهذا فالقول بأن النظام الليبرالي لا يهمه الفقير فكرة خاطئة وعارية من الصحة.
المغالطة الثامنة: العولمة أمركة هدفها إمتصاص دم الدول الفقيرة
فقبل الحكم على العولمة والتكلم عن آثارها على الدول الفقيرة، تعالوا معي أولا لنعرف العولمة. مفهوم العولمة يعني عولمة الانتاج والتبادل والتحديث في ظل تطور الابتكارات والمنافسة. والعولمة دقت باب الكثير من المجالات. لكن نقتصر في هذا المقال على المجال الاقتصادي فقط ونرى كيف تُؤثر العولمة على إقتصاد الدول الفقيرة، ثم نستنتج هل فعلا العولمة هدفها تفقير الدول الفقيرة، فالتجربة كشفت بأن العولمة تعمل على زيادة العلاقات الاقتصادية والحد من الاستقلالية السياسية للدول خاصة في مجال التجارة الخارجية والجمارك والسياسة النقدية والمالية. كما تساهم العولمة في تحقيق النمو الاقتصادي وزيادة الكفاءة الإنتاجية والتنافسية مما يسهم في تخفيف مستوى الفقر. كما تزيد من تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تمويل إستثمارات إنتاجية وزيادة الانتاج والصادرات. وتعمل أيضا على فسح المجال أمام القطاع الخاص ليقوم بدور أساسي في النشاط الاقتصادي مما يتطلب من الدولة تحديث القوانين والأنظمة الاقتصادية وتطويرها. كما لا ننسى دور العولمة في تحرير التجارة وتحقيق المكاسب من خلال إقامة المناطق الحرة والاتحادات الجمركية مثل الاتحاد الأوروبي وكما نأمل أن نقول الاتحاد المغاربي في المستقبل القريب. هذا بالاضافة إلى الطريق التي ترسمها العولمة لنقل التكنولوجيا والمعرفة.
المغالطة التاسعة: الرأسمالية هي إستغلال الملاك للعمال
النظام الحر يرى بأن حرية الفرد هي فوق كل شيء، ويعطي للعمال حق تشكيل نقابات أو إتحادات لكي ترعى حقوقهم وتحافظ عليها وتنوب عليهم في كل ما يخص العلاقة بينهم كعمال وبين صاحب العمل.
المغالطة العاشرة: الشيوعية أفضل من الليبرالية لأن الأولى تنادي بالمساواة والعدالة الاجتماعية
من المهم أن يكون الأفراد متساوون في الحقوق والواجبات أمام القانون، ولكن هل من المنطق أن يكون الأفراد متساوون في الثروة والملكية؟ هل العدالة الاجتماعية إذن هي أن نأخذ من فرد ماله الذي يكسبه بمجهوده وعمله كل يوم لصالح فرد آخر؟ وهل تعني المساواة نزع مال شخص ووضعه في يد شخص آخر فضل الكسل والخمول عوض العمل؟ فإذا كان الجواب نعم، فهذا أمر مرفوض كل الرفض، لأن ذلك يقتل دوما روح الابداع في النفوس البشرية.