لا تزال الحيازة اللارسمية للأراضي هي الأساس في البلدان النامية على الرغم من المليارات التي أنفقت على برامج إدارة الأراضي وإصلاحها خلال الأعوام العشرين الماضية. وهذه المشكلة أعمق من أن تكون مجرد نقص في التمويل أو رداءة في تنفيذ المشروعات، إذ يمكن القول بأن تقوية المؤسسات العمومية لتسجيل الأراضي التي تعمل لصالح الحكومات السلطوية أو الافتراسية، وهي عملية تمولها غالبا وكالات الدعم الغربية بنيّة تقوية الإجراءات التي تحمي صغار المالكين، ربما جعلت البرامج الإصلاحية تقوي قدرة النخب على حيازة المزيد من الملكيات اللارسمية أو تأخير رسمنة ما تحصل عليه النخب من منافع سياسية أو اقتصادية.
إن نجاح عملية إنشاء حقوق رسمية جديدة يمكن أن يتحقق إذا أخذ صغار المالكين زمام المبادرة وجمعوا ادعاءاتهم بملكية بالأراضي وأثبتوها، وطالبوا بأن تنقل ملكياتهم من نطاق أراضي الدولة، وأن يمنحوا حقوق ملكية خاصة. وإن هذه العملية الساعية إلى "التحديد المساحي لادعاءات الملكية" فيما يخص الأراضي العمومية، وإن كان لا ينتج عنها أي فعل أكيد من قبل الدولة، يمكنها أن تقدم دليلا واضحا ودقيقا على حيازة الأراضي المعنية واستخدامها، مما يتيح لصغار المالكين: التفاوض مع السلطات الحاكمة بطريقة أكثر كفاءة، وتقليص خطر المصادرة، وتخفيض التكاليف المالية اللازمة.
وتشرح هذه الدراسة كيف يمكن لمعدات غير مكلفة يمكن حملها باليد، وصور الأقمار الصناعية، وسجلات الأراضي اللارسمية في شبكة الإنترنت أن تعين المجتمعات ذات العلاقة على تحديد وتسوية أمور ادعاءات الملكية من خلال المصادقة المتبادلة على الحقوق بين المتجاورين. وهذه العملية لتوثيق ادعاءات ملكية الأراضي ليست مكلفة أو معقدة، ولهذا يمكن للجميع الاستفادة منها، بمن فيهم حتى أفقر المجتمعات في كوكبنا؛ ويضاف إلى ذلك أن هذه العملية لا يختلف حولها من ينخرطون فيها. ومن الملاحظ أن الأغلبية الغالبة من ادعاءات ملكية الأراضي اللارسمية تتصف بأنها جيدة التحديد ولا خلاف عليها ضمن المجتمعات ذات العلاقة، ولذلك فإن العملية اللارسمية لتسجيل الأراضي ورسم خرائطها ستوفر لنا، بكل بساطة، سجلا لأنماط ملكية قائمة على الأرض.
إن التجمعات السكنية اللارسمية المعنية، ومعها المنظمات الداعمة، يمكنها، بل يجب عليها، أن تنخرط في عملية ذاتية تخص الملكية والمعاملات، تتمحور في جوهرها حول تجاوز الإجراءات البيروقراطية غير المؤهلة، أو غير الكفوءة، أو حتى العدوانية، المحيطة بعملية تسجيل الأراضي، وذلك إلى أن تتحقق الكتلة الحرجة الضرورية لإنجاز الاعتراف الرسمي بحقوق المالكين المعنيين في أراضيهم.