تعمد بعض الدول البيروقراطية الأفريقية إلى الإبقاء داخلها على أشكال من الهيمنة التوريثية الجديدة المستندة إلى المحسوبية والوفاء والولاء أو الخضوع. ففي الواقع، رئيس الدولة وعائلته يديرون الموارد العامة كأنما يتعلق الأمر بإرث عائلي. ليس هناك أي فصل بين الأدوار السياسية والإقتصادية، ويقع الخلط بين الممتلكات العامة والممتلكات الخاصة وبين الفرد ووظيفته، ولا توجد أي محاسبة.
وتترتب عن هذا الوضع مفارقات مذهلة، فدول مثل غينيا تنتمي إلى كل من الدول الغنية جدا بالموارد الطبيعية ("الكوارث الجيولوجية") وأيضا إلى الدول الأكثر فقرا فيما يخص التنمية البشرية. دول أخرى مثل بوتسوانا، تُعَدُّ من بين أكبر المنتجين للماس في العالم وأيضا من الدول الأقل فسادا. يكمُن الفرق ربما في إدارة هذه الدول، ونتساءل بالتالي حول الطريقة لكسر دوامة الإدارة التوريثية (الجديدة).
الحد من الرئاسوية المفرطة
يتحدث بعض الكتاب مثل تشيتا بامبا [1] عن هيمنة العقلانية السياسية على حساب العقلانية الإقتصادية، مما يشجع على الحروب أو على بروز تحالفات بين الأفراد المقصيين من شبكات المحسوبية والذين يعملون جاهدين للإستيلاء على السلطة بهدف السيطرة على جزء من الريع. يَنتُج هذا السلوك عن مأسسة التدابير السياسية والثقافية لمرحلتي ما قبل الإستعمار والإستعمار، والتي جعلت من الحاكم رئيسا مهيمنا أوملكا (الرئاسوية الجديدة). ولذلك فمن الضروري إصلاح الأنظمة السياسية في معظم البلدان الأفريقية للحد من الصلاحيات الرئاسية عن طريق اعتماد الأنظمة أو الديمقراطيات البرلمانية، حيث توجد سلط مقابلة قادرة على الحيلولة دون ذلك الوضع.
إصلاح نظام المِلكِية
تؤدي الإدارة التوريثية الجديدة بالأساس إلى ممتلكات غير مشروعة، ويُعَرِّف المركز الوطني للتعاون الإنمائي هذه الأخيرة على أنها "كل الأملاك المنقولة أو الثابتة، وكل الأصول أوالأموال القابلة للتملك الشخصي والتي فُوِّتَت من الملك العام بطريقة غير مشروعة". تُقَدِّر دراسة أنجزتها اللجنة الكاثوليكية ضد الجوع ومن أجل التنمية، والتي نشرت في مارس 2007، الأصول المختلسة من قبل القادة في العقود الأخيرة بمبلغ يتفاوت بين 100 و180 مليار دولار.
كل هذا كان ممكنا بسبب ضعف حقوق الملكية، وينبغي إصلاح هذه الأخيرة من أجل الفصل بين ماهو مِلك عام وملك خاص. يستند أفق الحماية العقارية وإدارة الموارد الطبيعية على رؤية توريثية مؤسساتية كما يتضح على سبيل المثال من خلال مقترحات مصطفى ديوب (2007) بشأن الإصلاح العقاري في غينيا. في ظل مثل هذه المقاربات التي لا تعمد إلى تحديد حقوق الملكية (تبقى الموارد الطبيعية ملكا للدولة، وبالتالي ليست ملكا لأي أحد)، تكون الأرباح من حظ الأقوى. يمكن أن يتعلق الأمر بمجموعة أفراد مُسلَّحين، أو بشركة مفترسة من الشركات المتعددة الجنسيات أو بشخصية سياسية بارزة كرئيس الدولة. ينبغي أن يُعَيَّن مالك لكل مِلك، ويمكن أن يكون هذا المالك هو البلدية المجاورة كما في الدول اللامركزية، أومكتشف مورد من الموارد كما هو الحال في قانون الملكية الصناعية حيث تعود ملكية العلامة التجارية للشخص الذي يقوم بتسجيلها قبل غيره (اتفاق بانجي)، أو مالك الأرض الذي يتوفر على شهادة الملكية كما هو الحال في الولايات المتحدة. تقترح منظمات مثل UICN أو WWF أوGIZ ، في إطار الإدارة الجماعية، القيام بتطوير إدارة متعددة الأطراف و إدارة تشاركية تقوم على التفاوض، والتعلم والمقاربات التعاونية واستهداف الحد من الفقر والتفاوتات. يتعلق الأمر ب "الحالة التي تشهد تفاوض اثنين من الفاعلين الاجتماعيين على الأقل، وتحديد وضمان توزيع عادل للمهام والحقوق والمسؤوليات الإدارية فيما بينهم". ولذا فهي عملية تُتيح الإنتقال من الملك الطبيعي إلى الرأسمال الطبيعي والذي يُعتبر عاملا للنمو الإقتصادي.
إرساء آليات الشفافية
نوِرد على سبيل المثال ووفقا لصندوق النقد الدولي، أن 248 مليون دولار من عائدات استخراج النفط الخام في الفترة الممتدة بين عامي 1999 و2002 لم يُترك لها أثر في الحسابات الكونغولية. ووفقا لجريدة لوموند الصادرة في تاريخ 25 مارس 2004، فإن الميزانية العامة للكونغو برسم سنة 2003 لم تتضمن إلا 650 مليون دولارمن أصل 800 مليون دولار كعائدات نفطية .وقد كان هذا ممكنا بسبب غياب آليات الشفافية التي من شأنها حماية المال العام وتقاسم المنافع على النحو الذي توصي به المبادرة من أجل الشفافية في الصناعات الإستخراجية ( Publish What You Payومنظمة الشفافية الدولية). سيكون من الصعب بكثير سرقة أو إساءة تدبير الموارد الطبيعية عندما يصبح بإمكان الجمهور الاطلاع على كميات الموارد المستخرجة وكم بِيعَ منها وأين يذهب المال، كما هو الحال في النرويج حيث يمكن لكل مواطن أن يذهب على الموقع الرسمي www.nbim.noويعرف الثروة النفطية المتوفرة في تلك اللحظة. من الضروري أيضا القيام بتحسين المعايير الضريبة الدولية للحيلولة دون نقل الأرباح، والتهرب الضريبي والتدفقات المالية غير المشروعة. وأخيرا، ينبغي أن تعمل المنظمات غير الحكومية المحلية مثل ماكا أنغولا على كشف الفساد السائد في صناعة النفط المحلية.
اختيار قيادة تركز على التنمية
يَمُرُّ ترشيد استخدام الموارد العمومية لتحسين الظروف المعيشية في أفريقيا عبر القيادة الجيدة التي تركز على التنمية. فعلى سبيل المثال، استفادت غانا كثيرا في ظل حكم جون كوفور، من ثروتها النفطية لتصبح أول بلد أفريقي ينجح في خفض الفقر المذقع إلى النصف وفقا لمنظمة الأمم المتحدة. وقد ُشرِعَ في حوار وطني حول فوائد ومساوئ النفط مع اكتشافه قبالة الساحل. وتم أيضا تنظيم المراقبة والضبط الذاتيين بين جميع المؤسسات النفطية مثل اللجنة الغانية للبترول، ووزارة الطاقة والبترول، والشركة الوطنية الغانية للبترول، والصندوق السيادي الغاني للبترول. ينبغي أن تؤدي هذه القيادة الجيدة إلى إدارة مستدامة للموارد الطبيعية تضمن تجددها أو الحفاظ عليها بطريقة مستديمة دون تهديدات الإستغلال المفرط.
وختاما، فإن الخروج من دوامة التوريثية الجديدة يبقى ممكنا. يكفي فقط الحد من آثار الرئاسوية المفرطة، وإرساء آليات الشفافية، وإصلاح نظام المِلْكية واختيار قيادة تركز على التنمية.
[1] كتب مقالا يحمل عنوان : "سلوك الدولة التوريثية الجديدة كعامل في الحروب الأهلية". انظر الرابط الآتي :[http://laep.univ-paris1.fr/SEPIO/SEPIO110125Tcheta.pdf]
ترجمة : حافظ إدوخراز