"المِلكية تعني السرقة"
"لم تتردد كلمتين طوال ألف سنة مثلما ترددت هاتين [...] ليس لدي مِلكٌ آخر على هذه الأرض عدا هذا التعريف للملكية. أنا أعتبره أكثر قيمة من الملايين من روتشيلد وأجرؤ على القول بأنه سيكون أهم حدث في عهد لوي فيليب".
كان برودون (Proudhon) مسرورا بصياغته هذه، وحُقَّ له أن يكون كذلك : فبالرغم من كونها جوفاء وغير مُتَّسِقة (لكي تكون هناك سرقة فينبغي أن تكون هناك ملكية)، فستُقنِع الملايين من الناس بأن مجتمعا قائما على حق الملكية هو مجتمع غير عادل ولا يمكن أن يدوم. سوف يقوم ماركس بالكثير من أجل تضخيم رسالة برودون، مشيرا إلى أن ملكية رأس المال تسمح بسرقة العمال.
"الإنسان يُولَد مالكا"
في مقابل صياغة برودون، تجيب صياغة باستيا (Bastiat) بأن الملكية هي حق طبيعي، لأنها تتعلق بطبيعة الإنسان. كل إنسان هو فريد من نوعه ولا يمكن الإستغناء عنه، وتتجلى كرامته من خلال شخصيته : فهو يحقق وجوده ويسمو بفضل عمله الذاتي. يشعر الإنسان بالسعادة عندما يكون باستطاعته أن يُظهر ما هو قادر على فعله، وما يستحقه، وما النفع الذي يمكننا أن نعترف له به. التعرف على الإنسان يتم من خلال صفاته، كما هو الأمر بالنسبة للمعادن.
ترفض الجماعوية (collectivisme) هذا التماهي، وتُمَيِّع ثمرة العمل الفردي داخل جمع غير مسؤول. "الفصل بين الإنسان وقدراته يعني قتله ؛ والفصل بين الإنسان وثمرة قدراته يعني قتله أيضا". تحاول الأنظمة الشمولية قتل الإنسان بحرمانه من الملكية الفردية، ولا يُقَيَّد لهم النجاح في ذلك إلا عبر الإستعباد والترهيب. ولكن الدافع الحيوي للملكية يُعاوِد الظهور عاجلا أم آجلا وينتصر.
الملكية والمسؤولية
في المثل المعروف بالراعي الصالح (le bon pasteur) (يوحنا 10، 11ـ18)، يضحي هذا الراعي بنفسه بدلا عن الخراف، في حين أن "الراعي المرتزق، يختلف عن الأول لأن الخراف ليست في ملكيته [...] هذا الراعي ليس إلا مرتزقا، والخراف لا تهمه حقا".
أرسطو أيضا أشار إلى كوننا نحسن تدبير ما يوجد في ملكيتنا. أن نكون مالكين يعني أن نتحمل تبعات أفعالنا وتبعات ما نملك.
الحق في الملكية يستلزم بالضرورة مسؤولية الملكية : "أن يهب الإنسان حياته من أجل الخراف"، أن يتحمل إخفاقاته. لهذا، فإن الملكية تقوم على الإستحقاق، وتبنى على المدى الطويل وليست وليدة الصدفة. المالك الجيد يعتني بأملاكه بالحفاظ عليها وتثمينها وتنميتها. وفي المقابل، فإن "مأساة المشاعات" تبين أن الأشياء التي تعود ملكيتها إلى الجميع لا تكون في ملكية أحد (res nullius) ويصيبها الدمار بالضرورة. إذا كان الإزدهار الإقتصادي المعروف بإسم "الثورة الصناعية" قد بدأ مع نهاية القرن السابع عشر في انجلترا، فذلك لأن البرلمان قد سمح ب"الأراضي المُسَيَّجة"، أي أن ملاك الأراضي قد عمدوا إلى تسييج حقولهم وممارسة الزراعة المكثفة في الأماكن التي لم تكن سوى عبارة عن "أراضي للرعي".
الملكية وخدمة المجتمع
إذا كان حق الملكية أمرا لا جدال فيه من حيث المبدأ، يبقى أن نعلم كيف يتم الإعتراف بهذا الحق واحترامه في أوساط المجتمع. هل هناك أي تعارض بين الملكية الخاصة، وكون الأرض مِنحةً تتشاركها الإنسانية جمعاء؟ أُثيرت مسألة "الوجهة المشتركة للممتلكات" طوال عدة قرون، لكن القديس توما الأكويني حسم فيها على نحوٍ ملائم باستبعاده لفكرة الملكية الجماعية (لا يمكن لأحد بالتالي أن يتملك الأرض)، وإعادة صياغتها بشكل عكسي : لم تعطى الأرض لأي كان في البداية، وبالتالي فإن ملكية الأرض تعود إلى الشخص الذي سوف يمنحها وجهة مشتركة. وجهة الممتلكات هي التي تصبح مشتركة، وهذا يعني أن الملكية سيعترف بها للشخص الذي يقوم بتثمين الموارد المتاحة. صاغ جون لوك مبدأ "المتحوز الأول" (premier occupant) :الذي يكتشف أرضا جديدة ويستغلها يُمنَح الحق في تملكها. الجدل القائم حول ملكية الأرض توسع الآن ليصل إلى جميع أشكال الموارد : ليس فقط الأرض والثروات التي تحتوي عليها، ولكن أيضا الأفكار والمعرفة والتقنيات.
حماية حقوق الملكية
يتوقع الليبراليون من الدولة أن تسهر على ضمان حقوق الملكية، ولا ينتظرون منها إطلاقا إسناد أو توزيع هذه الحقوق. لا يُعَدُّ القانون مصدرا للملكية لأن الأمر يتعلق بحق طبيعي، ولكن حماية الممتلكات والأشخاص تبرر اللجوء إلى وسائل الإكراه التي تحتكر الدولة استعمالها.
أكد ليبراليو مدرسة حقوق الملكية (Demsetz, Alchian, Pejovitch) على ضرورة تحديد حق الملكية بشكل دقيق. عندما لا يتم تحديد حقوق الملكية بالصرامة الكافية، فإنها تفقد فعاليتها. وتكمن أسباب الفقر والصراعات في الدول الفقيرة في غياب أو عدم دقة حقوق الملكية الخاصة. في المقابل، تسمح حقوق الملكية الواضحة بظهور سوق لهذه الحقوق : سوف يتم تداول الملكية وستجد من خلال ذلك قيمتها الحقيقية، أي أنها ستتواجد بين أيدي أولئك الذين يزعمون منحها الوجهة الأفضل.
الحصرية والقابلية للإنتقال وللتجزئة
يُعَرِّف فقهاء القانون الصفات المميزة للملكية باعتبارها العلاقة بين الأفراد والشيء : الإستعمال (usus) والإنتفاع (fructus) والإتلاف (absus)، بمعنى حق استخدام الشيء، والإستمتاع بثماره والتخلص منه. وترى مدرسة حقوق الملكية من جانبها في الملكية كونها قاعدة سلوكية تضبط العلاقات بين الأفراد إزاء الشيء. فالملكية تستلزم الحصرية والقابلية للإنتقال وللتجزئة. الحصرية تعني أن الشيء محجوز لمالكه، ولكنه يمكن أن يكون محل صفقة (تبادل أو هبة : القابلية للإنتقال)، بخصوص الشيء كله أو جزء منه (القابلية للتجزئة).
بفضل هذه الخصائص الثلاث، سوف تمر الملكية من يد إلى يد.
الملكية هي أساس التبادل، الذي يُعَد بدوره سبب وجود الإقتصاد.
لا يمكننا أن نتبادل إلا الأشياء التي نملكها. وبدون الملكية لا وجود للهبة ولا للمقايضة ولا للسوق، ولن يكون هناك سخاء ولا تضامن ولا عدالة في التوزيع أيضا.
وربما هذا هو السبب الذي جعل برودون بعد بضع سنوات على إطلاقه لصياغته الشهيرة، يعيد اكتشاف مفهوم "الحيازة" : "أنا مع الأرض الحرة (l’alleu) وضد أراضي النبلاء (le fief)". الأرض الحرة تعني ملكية كاملة للأرض دون واجب دفع الإتاوة لأي أحد، أما أراضي النبلاء فهي ملكية مشروطة تستلزم دفع الإتاوة لسيد الأرض. سيشعر برودون في أيامنا باليأس : نحن نرزخ تحت وطأة أراضي النبلاء وندفع بسخاء لسيد الأرض.
ترجمة: حافظ إدوخراز