logo

logo

أي سياسات عمومية لمواجهة تداعيات الجائحة : دول الخليج نموذجا

image

انتشر فيروس كورونا خلال أشهر قليلة في جميع أنحاء العالم مسببا حالة من الخوف، حيث هدد استقرار التوازنات العالمية ومس بمجموعة من المجالات والأنظمة، من بينها النظامين الصحي والاقتصادي. اجتاحت الأزمة التي بدأت أواخر 2019 في منطقة "ووهان" الصينية جميع أنحاء العالم في غضون أشهر قليلة بسبب التنقل الدولي والطبيعة المعدية لهذا الفيروس الجديد / القديم، فتسببت في خسائر جمة ناتجة عن حجر ملايين الأشخاص بمنازلهم وفقدانهم لوظائفهم حول العالم. لم تسلم دول الخليج بدورها من هذه الجائحة التي انتشرت بين مواطنيها بسرعات متباينة من بلد إلى آخر، حيث تجاوزت عدد الإصابات في هذه البلدان مئة وخمسين ألفإصابة مع نسب وفاة متدنية على العموم. إضافة إلى هذا، عرفت أسعار النفط في جميع أنحاء المنطقة تدهورا ملحوظا، خاصة وأن المنطقة معروفة بحضورها القوي في أسواق المحروقات مما أثر سلبًا على المداخيل، النمو وتطلعات سوق الشغل. علاوة، شكلت الأزمة صدمة نوعية لكافة المجتمعات وغيرت من التوجهات الاقتصادية السابقة للحكومات مخافة مواجهة ركود اقتصادي غير مسبوق واحتقان اجتماعي بسبب البطالة وإغلاق أغلب القطاعات المدرة للدخل. في جو من عدم اليقين الاقتصادي العالمي وإغلاق غالبية الأنشطة المربحة، أطلقت الحكومات والبنوك المركزية في منطقة الخليج العديد من المساعدات والسياسات من أجل التخفيف من تداعيات الأزمة، خاصة على السكان الأكثر تضرراً. 

من أجل إحاطة شاملة بالموضوع، سنحاول من خلال مقالنا التطرق إلى أبرز السياسات الاقتصادية والإجراءات التحفيزية لدول الخليج من أجل مواجهة تداعيات أزمة كورونا وتخفيفآثارها على القدرة الشرائية للمواطنين وكذا حمايتهم من البطالة. 

تجلت أهم الآثار الاقتصادية لفيروس كورونا على دول مجلس التعاون الخليجي في تأثيرها الحاد على أسعار النفط العالمي، التي تدهورت إلى مستويات قياسية خلال الأزمة بسبب قلة الطلب العالمي عليها ووفرة العرض وكذا انخفاض قدرات التخزين العالمية، مما شكل صدمة لمجموعة من الدول الخليجية التي تعتمد بالأساس على منتجات صادراتها الطاقية، الشيء الذي أبرز أهمية الإصلاح الاقتصادي لتفادي مثل هذه السيناريوهات مستقبلا.

شكلت العلاقات الاقتصادية الصينية-الخليجية عاملا من عوامل تفشي الأزمة. فصادراتدول مجلس التعاون كالإمارات إلى الصين، خصوصا الطاقية منها،تعتبر جد مهمةلأغلب دول الخليج. فهذه الدول تعرففائضا تجاريا في مبادلتها الثنائية مع الصين (عدا الإمارات والبحرين). على سبيل المثال،تشكل صادرات دولة عمانإلى الصين أكثر من 40 بالمائة من مجموع صادراتها.

عانت السياحة هي الأخرى، خصوصا الدينية، من آثارالإغلاق الجوي الذي فرضته اغلب دول العالم. ففي السعودية مثلا، أفقد توقف موسم العمرة واحتمالية عدم حدوث الحج المملكة واحدا من أهم مصادر الرواج الاقتصادي الموسمي والدائم فيها، كما أدىإلى ركود غير مسبوق لقطاع السياحة والخدمات المرتبطة بأداء المناسك الدينية. عانت الإمارات -إمارة دبي خصوصا- بدورها من آثارالإغلاق العالمي الذيتزامن مع استضافتها لحدث "اكسبو" الدولي الذي يستقطب ملايين الزوار كل عام بسبب خطر إلغاءه أو تأجيليه. أما بالنسبة لأسواق الأسهم الخليجية، فقد شهدت بدورها تراجعا مهما، خصوصا خلال الربع الأول من السنة الحالية بالتزامن مع أزمة أسواق النفط مع بداية تحسن أدائها في أبريل.

بحثت دول الخليج مند بداية انتشار الوباء على أراضيها على سبل التعاون من أجل تجاوز الأزمة وتنسيق جهود دول المنطقة في كافة المجالات. في هذا الإطار، تم عقد عدة اجتماعات للجان الاستثنائية التي تضم الوزراء الخليجيين من أجل تباحث سبل التعاون ومشاركة السياسات التي قامت بها كل دولة على حدة. بناء على دعوة من الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، عقدت لجنة التعاون الاقتصادي والمالي في 23 من مارس العام الحالي اجتماعا عبر الاتصال المرئي من أجل تقييم التدابير الاقتصادية والمالية وتباحث سبل التعاون. في هذا الصدد، أكد وزراء المالية على ضرورة تنسيق التدابير الاحترازية بين دول المجلس في كافة القطاعات لدعم الانتعاش الاقتصادي وتوحيد التدابيروالإجراءات المتخذة لمكافحة انتشار الوباء وتسهيل حركة البضائع بين دول المجلس، لاسيما البضائع والشحنات المرتبطة بالمواد الاستهلاكية والأساسية والمواد المرتبطة بالنمو الاقتصادي بشكل عام.   كما عقدت اجتماعاآخرافي أبريل من العام الحالي من أجل مناقشة السياسات المالية، توصيات لجنة محافظي البنوك المركزية وتوصيات هيئة الاتحاد الجمركي لدول المجلس ولجنة السوق الخليجية المشتركة، حيث تباحثت في طرق دعم المنتجات الخليجية الوطنية خصوصا في خضم الأزمة (سنحاول أن نفصل في الفقرات المقبلة سياسات كل دولة من دول مجلس التعاون على حدة). 

فاطمة الزهراء أرقطي
طالبة ماستر بشعبة الدراسات الاقتصادية الدولية بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات ومهتمة بمواضيع الحرية الاقتصادية والرأسمالية والأدب الإنجليزي.